العقيدة والقران واللغة والسنة النبوية [/b]
Saturday 01-09 -2007
</FONT>[size=12] يكثر الحديث في هايد بارك عرب تايمز( صحيفة أميركية عربية تستقطب الكثير من القراء) عن الدين الإسلامي ويجتهد المشاركون كل من وجهة نظره في إثبات أحقية نظرياتهم ولا شك أن ساحة عرب تايمز مفتوحة ويمكن لمن يرغب الكتابة كما يشاء.
فمنهم من ينظر للقران وحده وكأن الرسول ( ص) - حاشى لله "ساع حمل الرسالة ولا يجوز له فتحها" ويضعون أنفسهم بمرتبة أعلى في كثير من الأحيان عندما يسمحون لأنفسهم تفسير القران كما يرغبون ولا يعطون الرسول (ص) حقا كذلك من خلال إنكار أي تدوين "ليس بسبب التشكيك في أصليته وإنما لأنهم يرفضون مبدأ مشاركة الرسول(ص) في التفسير".
ويقف لهم بالمقابل "أنصار السنة" بالمرصاد يشهرون سيوفهم البتارة ويلعنوهم ويحقروهم كأنهم في ساحة الوغى وكأن الشتم أفضل طريقة للإفحام وفي ذلك هم يضيعون كثيرا من الحق في قضيتهم مع أنهم مختلفون في تقييم ذلك. فالبعض يتعامل مع السنة المدونة كأنها منزلة ومحفوظة غير قابلة للتشكيك في تفاصيلها ويضعونها بمستوى القران. ويحاول الاستعانة بالقران لإثبات أن السنة النبوية موثقة ومنزلة من الله على الرسول ولا يميزون حقا بينها وبين القران مما يفتح المجال للطعن الكبير خاصة إذا تم اخذ السنة كما هي مفهومة بما هو مدون عن الرسول(ص) وليس بما هو ثابت عنه.
ومن خلال السجال الدائم ودعوة "أهل القران" "والربانيين" - كأنهم يقيمون الدين من جديد في مكة وكأن أهل السنة كفار قريش فقد ضاعت حقائق كثيرة. وعندما يسمح البعض بالاستهزاء من "دين السنة" فكأنهم يقلدون الأنبياء في استهزائهم بآلهة الكفر كما فعل إبراهيم والرسل. والحقيقة أن كل ذلك تجاوز للمعقول.
وتنطلق دعوات من غير مسلمين أو ملحدين للتشكيك ضمن هذه الحملة الشعواء للطعن في القران نفسه. وهذا متوقع فعندما تحتدم معارك التشكيك بين السنة والقران يصبح من السهل فتح كافة الملفات ومنها التشكيك بالقران.
وهذا ما يظهر من كتابات اسعد الأسعد وغيره فهنا هم يراوحون بين محبين للدين مشفقين على المسلمين "الأغبياء الذين لم يفهموا دينهم أبدا ويتطوعون لتعليم المسلمين ما خفي من دينهم" أو يتم اللجوء للتشكيك المباشر في صحة دعوى أن الدين من عند الله أو أن القران منزل وذلك من خلال التشكيك في صلابة بنائه اللغوي وخاصة أن المسلمين ينطلقون دائما من مقولة استحالة تحوير القران. وعليه فأي طعن ولو بحرف من القران يمثل نقضا للكمال القرآني مما يهدم نظرية نزوله من السماء وأنه كلمات الخالق.
وفي مقالة أخيرة للسيد محمد راجح دويكات بخصوص حفظ القران تطرقت بعض التعليقات لذكر أمثلة عديدة تطعن في صحة اللغة في مواقع مختلفة ما استفز العديد من المشاركين للرد عليها كل كما يرى وبطريقة تبدو عفوية ومتناقضة في أحيان تؤدي بجاهل في اللغة وأصولها وبغير المسلم للتشكك أكثر أو تخلق حالة هلع عند المسلم البسيط عندما يرى أمثلة بها طعن مباشر في صحة القران.
ولهذا فالحملة في هايد بارك عرب تايمز تستحق متابعة من المهتمين والمشاركة بشكل موضوعي عند الأخذ بالاعتبار أن جمهور قرائها متعدد المشارب والمستويات الذهنية والثقافية والمنطلقات النفسية والاجتماعية بحكم كونه جمهورا يعيش في عالمه العربي أو في الغرب ويتعرض يوميا لضغط ثقافي واجتماعي لإقناعه بعدم جدوى التمسك بهالة القدسية للإسلام وهذه تجربة يتعرض لها الكثير ممن يعيشون في الغرب ويعانون منها كثيرا مع أن أغلبهم يتجاوزها في النهاية ويتمسك بمعتقداته ضاربا عرض الحائط بالمنطق الذي يشككه وهنا نقطة جوهرية تستحق النقاش.
سأحاول في هذه المقالة مناقشة 3 نقاط جوهرية
الأولى تتعلق بالعقيدة وأسس الاعتقاد.
والثانية تتعلق بمسألة القران واللغة.
والثالثة أكرر بها موقفا تطرقت له سابقا للعلاقة بين القران والسنة.
1- مقولة الاعتقاد:
المعتقدات أساسا هي ملخص منطقي مؤطر بمفهوم لغوي تعتمد في الإيمان بها على حقائق تأكيدية من الواقع وفرضيات أولية يقوم عليها المنطق وانسجام منطقي داخلي. وفي الغالب يصل معظم المؤمنين بالمعتقدات للإيمان بها دون وضوح في تدرج الأسس المحددة أعلاه لكنها شروط هامة لاستقرار المعتقد حتى دون إدراكها الصريح من صاحب العلاقة. طبعا يمكن أن تكون المعتقدات باطلة بسبب خلل في التسلسل المنطقي أو في المسلمات الأساسية أو بسبب إفساد لاحق للمحتوى النموذجي لها بسبب تداخل مصالح خاصة مع النسق العام للمعتقد.
الأساس الأول هو الإيمان بمسلمات النظرية. فبدون مسلمات لا يمكن وضع منطق. المسلمات طبعا غير قابلة للإثبات من قبل النظرية "مع أنها قابلة للمعايرة" لأنها أساس المنطق نفسه. وهي مسلمات لأننا نحتاجها دون إثبات. وهكذا لا يوجد في العلوم والرياضيات أي نظريات مطلقة الثبات لأنها جميعا تقوم على مسلمات تم الإيمان بها من خارج النظريات بناء على خبرات إما أن تكون تجريبية أو قياسية أو استنتاجات تعميمية عقلية وجدانية.
بالنسبة لتجربة الإيمان الديني بالله والغيب والرسل والحياة الدنيا وقيودها وارتباط ذلك بعالم الغيب والآخرة فان من المستحيل إثبات ذلك نظريا أو بمنطق معين. أنها مسلمات سابقة للالتزام بأي دين. وهي مسلمات تعتمد الإحساس الوجداني وهو إحساس داخلي. ويبدو أن الإنسان مصمم ليدركها دون واسطة ( على الأقل هذه هي المسلمة الرئيسة في اعتماد الدين على الإيمان).
وبهذه المسلمة فان دعوة القران والكتب السماوية تبدو تذكيرا أكثر منها إثباتا. فالقران الكريم يذكر الناس في كافة المواقع أن ما يطالبهم به القران هو ما يدركونه في وجدانهم فلا يجادلوا كثيرا. ومنطق القران اليقيني في مهاجمة من لا يؤمنون يستنكر على من هو مصمم لاستقبال موجه الإيمان وهي تبث له يوميا لكنه يصر على عدم السماع بسبب فساد في الالتقاط أو عدم رغبة في السماع سببها أطماع معيشية مؤقتة أو خوف أو وسواس شيطاني.
هكذا تقوم مسلمة الإيمان الأولى: وعليه فمن المستحيل أن تثبت لأي إنسان صحة الإيمان إذا لم يدرك ذلك هو نفسه داخليا. وبنفس الدرجة لا يمكن أن تثبت عكس ذلك مهما كانت المقومات لإقناع مؤمن بالكفر وهذا معنى أية " "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين" - القصص: 56 وكما اعتقد فمن يشاء تعود للشخص مع أنها لا تتناقض مع الإرادة الإلهية لان الله من يحدد ذلك وهو بكل شيء محيط.
فإذا توصل الإنسان للإيمان وجدانيا يصبح المطلوب توفير منظومة فكرية منطقية بمسلمات معقولة وبمنطق منسجم ذاتيا تقوم علية فكرة الإيمان لتنشئتها وتعميقها. وهذا ما يحصل عادة بالتدريب وحسب الحكمة الإلهية يتم من خلال الإكثار من قراءة القران والتمعن بمعانيه. وذلك لان القران يمثل المنهج المنطقي الذي تقوم علية مقولة الإيمان وبدون القران فمن غير السهل اكتساب الرسوخ الإيماني والانسجام المنطقي. وهذا ما يكرره الكثيرون ممن يقرأون القران بشكل متصل حيث ينتابهم إحساس بالانسجام والسكينة لا يتوفر لمعظم من يتعاملون مع القران كمرجعية عند الحاجة. فالقران في الحقيقة ليس مرجعية عند الحاجة فقط لكنه كتاب المنطق الإيماني بإجماله العقائدي والتطبيقي.
وبما أن القران هو كتاب المنطق الديني فمن المهم أن يكون منسجما بذاته دقيقا في منطلقاته وان يقوم على مسلمات ثابتة ولا يحمل أي تناقض داخلي. ويعمم هذا على الفهم اللغوي أو المعنى الإدراكي أو التسلسل الروائي أو القدرة على الاستنباط لتسهيل مسيرة الحياة وتوفير ما يكفي من المؤشرات والنبوءات التي تجعل إدراك الواقع التجريبي منسجما مع محتوى هذا الكتاب.
وبهذين الأساسين المجتمعين ( الإيمان الوجداني والقران الكريم) يتميز المسلم عن غيره. فليس من المستحيل على أي إنسان إدراك الإيمان الوجداني فهذا مفتوح للمسلم وغيره. لكن ما يميز المسلم هو توفر الكتاب المنطقي. نفس الأمر ينطبق على المسيحي والإنجيل وهلم جرا. اختلاف أهل الكتاب مع بعضهم هو في من يحمل كتاب الحكمة والذكر المناسب للشعور الوجداني بالإيمان.
بالتوفيق ان شاء الله